عمران يوسف: سوء إدارة الملف المسرحي من قبل الذين نصبوا أنفسهم أوصياء عليه يقف حجر عثرة أمام إحداث أي خرق لحالة الجمود المكرسة من قبلهم .

0

المخرج المسرحي عمران يوسف لـKoma Şano

 المسرح الكردي في المنطقة يمر بحالة جمود تام.

هيئة الثقافة و الفن تتلكأ في مهامها وتهمل المسرح.

كومين المسرح لم يقم بدوره و بالتالي أثبت فشله.

الفردية و الشللية في العمل المسرحي لم و لن يخدم المسرح الكردي.

يقول أحدهم: ” نريد مسرحاً يخدم الثورة ” هذا طرح ساذج لأن المسرح بحد ذاته ثورة.

– بداية  .. تقييمكم و قراءتكم للحالة المسرحية في روجآفاي كردستان؟

يمر المسرح في روج آفا بأزمة حقيقية و عميقة,  ففي العامين الأخيرين تراجع الحراك المسرحي ليبلغ أدنى مستوياته منذ 2013.

 هناك حالة تخبط و عدم استقرار في  الحراك المسرحي نتيجة عدم توفر الإرادة الحقيقية  لمأسسة المسرح بشكل صحيح , فبدلاً من إيجاد الحلول الناجعة من أجل إخراج المسرح من عنق الزجاجة و كسر حالة الجمود الحاصل في المشهد المسرحي, يتم تكريس هذه الحالة، بل الإصرار على المضي قدماً في روتنة المسرح و برقرطته و تأطيره, و حتى تمييع هذا الفن. للأسف هذا هو حال المسرح اليوم .

– برأيك .. هل المسرح الكردي في روجآفا.. يمر بحالة ركود تام ؟

المسرح يشهد أزمة حقيقية وهذا واقع يلتمسه كل مهتم بهذا الشأن, وهنا اسمحي لي أن استعمل كلمة “جمود بدل ركود”.

 سوء إدارة الملف المسرحي من قبل الذين تولوا إدارته و نصبوا أنفسهم أوصياء و متحكمين بأي حراك مسرحي مازال يقف حجر عثرة أمام إحداث أي خرق لحالة الجمود المكرسة من قبلهم .

– هل أنت مع هذه المقارنة : “وضع المسرح الكردي قبل 2011 و ازدهاره فيما بعد” ؟

لا نستطيع أن ننكر بأن المسرح الكردي بعد 2011 قد دخل مرحلة جديدة .. فلأول مرة انتقل المسرحيون الكرد من العمل في الغرف المظلمة إلى العمل في وضح النهار و على خشبات المسرح , و شهدنا حراكاً مسرحياً نشطاً حيث تم إنجاز و تقديم العديد من العروض المسرحية المميزة , كما أن معظم المسرحيين الكرد إن لم نقل جميعهم توجهوا نحو العمل المسرحي بحماس كبير .. هذه الحالة استمرت لأربع أو خمس سنوات تخللها بعض التلكؤ أحياناً لأسباب تتعلق أيضا بذهنية من أداروا الملف .. أي أن منحى سير المسرح كان مترنحاً بين الصعود حيناً و الهبوط و التراجع حيناً آخر . لكن منذ عام 2019 تقريباً اتخذ المسرح منحاً تراجعياً حتى وصلنا إلى ما هو عليه اليوم من جمود … كان بالإمكان البناء على ما تحقق من إنجاز مسرحي سابق مما كان سيساهم في تطور المسرح الكردي و بالتالي ازدهار الفن المسرحي في روجآفا .. لكن العقلية التي أدارت الملف ساهمت في خلخلة الحالة المسرحية و عدم استقرارها أو عدم وضعها على المسار الصحيح الذي يضمن استمرارية الحراك المسرحي .

– هل لعبت الجهات المعنية بالشأن المسرحي في المنطقة (هيئة الثقافة و الفن) دورها كما ينبغي ؟ “الكثير ينتقدونها بأنها تماطل في مهامها و غير مهتمة بالمسرح”, ما هو السبب ؟

قلت سابقاً بأن هناك مشكلة في مأسسة المسرح و الهيكلية التي تدار بها و العلة الحقيقية وراء واقع حال المسرح اليوم تكمن في هذه العقدة بالذات .. بالطبع و وفق الأصول المتبعة في كل دول العالم فأن هيئة الثقافة و الفن هي التي يجب أن ترعى المسرح باعتباره  فناً من الفنون لأن ذلك من صلب عملها …

قبل عدة أشهر تم عقد اجتماع للمسرحيين في قامشلو و توصلنا إلى صياغة مجموعة من المقترحات التي من شأنها أن تكسر حالة الجمود و تساهم في مأسسة المسرح و النهوض به و قد قدمنا هذه المقترحات لهيئة الثقافة .

أما عن تلكؤ الهيئة و عدم استجابتها لتلك المقترحات و الأسباب التي جعلتها تهمل المسرح فيمكنك توجيه السؤال لهم .

– البعض يدعي أنه لا مسرح كردي في المنطقة, و كل ما نشاهده على الخشبة ليس مسرحا متكاملاً؟ هل تؤيد هذا القول ؟

قضية وجود مسرح كردي من عدمه مازالت محل نقاش في أوساط المسرحيين الكرد … علينا أولاً أن نعرف ما هو المسرح الكردي ؟ هل هو العمل المسرحي الذي يقدم باللغة الكردية ؟ أم أنه ذاك المسرح الذي يتميز عن المسارح الأخرى بخصوصيته؟ لقد شاهدنا عدداً لا بأس به من العروض المسرحية المقدمة باللغة الكردية, منها ما هو مأخوذ من نصوص أجنبية أو عالمية تم ترجمتها إلى اللغة الكردية, و منها ما أخذت من نصوص كردية , كذلك بالنسبة للمواضيع التي طرحتها هذه العروض  .. أما عن إسلوب العرض فما زال المخرجون الكرد متأثرين بتيارات مسرحية مختلفة …

في كل الأحوال لا يمكن الوصول إلى مسرح كردي يحمل خصوصية مميزة إلا باستمرارية العمل المسرحي , و هذا ما لم يتحقق حتى اللحظة … أما بالنسبة للشق الثاني من سؤالكم عن وجود مسرح متكامل فاعتقد بأن الطرح بهذا الشكل هو سذاجة معرفية .. لا يوجد مسرح متكامل أو مسرح غير متكامل بل هناك إما مسرح أو لا مسرح .

– بالانتقال إلى المهرجانات المسرحية هنا أود السؤال : هل المهرجان المسرحي هو الذي يخلق الجمهور المسرحي و يفعل المسرح ؟ أم لديك رؤية أخرى ؟

المهرجانات المسرحية تساهم في تنشيط الحركة المسرحية و جذب أكبر قدر من الجمهور, كما أنها تتيح الفرصة لالتقاء المسرحيين و تفتح أبواب النقاشات حول المواضيع و القضايا المرتبطة بالمسرح و تبادل الخبرات، ناهيك عن مجموعة العروض المسرحية التي تعرض تباعاً و في فترة زمنية محددة بمدة المهرجان، و من خلال هذه العروض نستطيع أن نتعرف على حال هذا الفن و المستوى الذي وصل إليه، و بالتالي نضع أيدينا على نقاط الضعف لنتجاوزها مستقبلاً و في نفس الوقت نبني على نقاط القوة لتطوير المسرح و المضي به نحو آفاق جديدة. فكما توجد مهرجانات للشعر و القصة و الأغنية و غيرها من الفنون فمن الطبيعي و الضروري أن تكون هناك مهرجانات للمسرح الذي هو أم الفنون .. لكن هل المهرجان وحده يكفي لخلق جمهور مسرحي و تفعيل الحركة المسرحية ؟ بالتأكيد لا يمكن ربط الحركة المسرحية بمهرجان سنوي و توقفها بقية أيام السنة .. المسرح فن ينمو و يتطور ضمن حالة الاستمرارية .

– شاركتم أنتم أيضا في هذه المهرجانات , الكثير من الانتقادات كانت تطال العروض المسرحية و بأنها لا ترقى الى المستوى المسرحي المطلوب ؟ أيضاً عدم كفاءة لجنة المشاهدة و لجنة التحكيم ؟

نعم هناك الكثير من الملاحظات على المهرجان المسرحي في نسخه التي عقدت و لكن هذا لا ينفي ما قلناه سابقا حول الدور الإيجابي الذي يلعبه المهرجان و ضرورة استمراره …

كان هناك مشكلة في تشكيل لجان المشاهدة و التحكيم و ذلك بزج أشخاص ليس لهم علاقة بالمسرح فيها و هذا ما كان يتسبب في وصول عروض تفتقد الشروط المسرحية الى المهرجان أو تحكم الأمزجة الشخصية في لجان التحكيم أثناء تقييم العروض .. و لكن رغم كل ذلك عُرضت أعمال عديدة مميزة من خلال المهرجان.

هل المسرحيون قادرون في هذه المرحلة على وضع الأساس لبناء مسرح كردي ينافس” دعني لا أقول العالمية ” بل على مستوى أجزاء كردستان الأخرى ؟ أم أنهم تأخروا في ذلك ؟

للأسف المسرحيون الكرد اليوم في أشد حالات تشرذمهم و هذا التشرذم هو أحد الأمراض الأساسية التي يعاني منها مسرحنا ..

لا يمكن للمسرحيين أن ينجزوا أو يقدموا شيئاً للمسرح إذا لم يتجاوزوا حالة التشرذم الذي يعيشونها  .. الفردية و الشللية في العمل المسرحي لم و لن يخدم المسرح الكردي بل على العكس سيساهم في مزيد من التراجع في فن المسرح ..

قبل أن نفكر في الوصول الى العالمية أو أن ننشئ مسرحاً مميزاً على الصعيد الكردستاني علينا أن نعالج و نتجاوز العوامل التي تقف حجر عثرة في طريق المسرح و على رأسها حالة التشرذم .

حسنا .. أسباب حالة تشرذم الوسط المسرحي ؟

أسباب التشرذم هي الفردية و الشللية و لن أقول الأنانية و الغرور ..

المسرح فن جماعي و هو همٌ جماعي أيضاً , لذلك لا يحق لأي شخص كائناً من يكون أن يحتكر العمل المسرحي لنفسه و يمنع الآخرين عن ممارسته, أو أن ينصب نفسه وصياً على المسرح .. هذه حالة مرضية تستوجب العلاج ..

يجب فتح المجال أمام كل المسرحيين للمساهمة في تطوير المسرح و النهوض به .. أما أن يتم دعم منطقة معينة أو أشخاص معنيين و منع الآخرين من العمل فهذا بحد ذاته فعل هدام للمسرح .

– رغم جميع العواقب هناك فرق مسرحية نشطة و تسهم في تطوير المسرح الكردي ؟ ما هو تقييمكم لعملهم ؟

بالطبع .. كل الزملاء المسرحيين الذين يعملون ضمن هذه الظروف يستحقون الشكر و التقدير. لكن للأسف لم أحظى بمشاهدة العروض التي قدموها باستثناء بعض اللقطات التي عرضت على وسائل التواصل الاجتماعي , لذلك لا أستطيع تقييم أعمال لم أشاهدها .  يبدو أن العمل في هذه الفترة محصور في حيز جغرافي ضيق و هو مدينة قامشلو و العروض المنجزة تقدم هناك .. أما المسرح في بقية المناطق فيعاني من التهميش و الاقصاء .

أي عرض مسرحي هدفه هو الوصول الى الجمهور لإحداث التأثير الذي هو من صلب وظيفة المسرح .. ما جدوى العرض المسرحي إن لم يعرض للجمهور ويصل الى أكبر عدد منه ؟ بالتأكيد سيكون كالأغنية التي لم يسمعها أحد و بالتالي سيخلق خللاً في الوظيفة الحقيقية للمسرح .

هل قلة النصوص المسرحية المكتوبة باللغة الكردية و الاعتماد على النصوص المترجمة يفقد المسرح الكردي خصوصيته ؟

خصوصية المسرح الكردي لا ترتبط بالنص فقط .. فالنص المألف باللغة الكردية وحده لا ينتج مسرحاً كردياً, المسألة أكثر عمقاً و اتساعاً .. إنه يتعلق بإسلوب العرض , الإخراج و التمثيل و الديكور و غيرها .. أستطيع الاعتماد على نص مترجم و أصنع منه عرضاً يحمل خصوصية و ملامح كردية .. و قد يحمل مخرج آخر نصاً كردياً و لكن يفشل في إضفاء الخصوصية الكردية عليه … هذا الموضوع يحتاج إلى شرح مستفيض .

– هل لا يزال هناك تأثير و سطوة للسلطة الحاكمة أو الحزبية قائمة لحد الآن على المسرح ؟

هذا بالذات ما يعاني منه المسرح .. هناك من يريد مسرحاً على مقاسه أو مسرحاً تحت الطلب و يسعى إلى تدجين المسرح و فرض الوصاية عليه … فن المسرح لا يحتمل هكذا نمط من التفكير و لست مع فكرة أدلجة المسرح لأن الأدلجة تقتل المسرح … يقول أحدهم: ” نريد مسرحاً يخدم الثورة ” باعتقادي هذا طرح ساذج لأن المسرح بحد ذاته ثورة .

– أترى هناك جرأة في طرح النصوص المسرحية ؟ هل يتم تسليط  الضوء على المواضيع على المواضيع الشائكة و منها السياسية ؟

المسرح هو مرآة الواقع و من قدسيات وظيفته تسليط الضوء على الواقع و “وضع اليد على الجرح” كما يقول المثل الكردي .. أي عرض مسرحي لا يتحقق فيه هذا الشرط فهو لا يستحق المشاهدة و لن يكون له أي معنى أو قيمة تذكر … المسألة ليست مسألة جرأة بقدر ما هو أمانة و التزام و وفاء لقيم هذا الفن … كانت هناك أعمال مسرحية تناولت قضايا مجتمعية و سياسية لامست الجرح و ألقت الضوء على قضايا تمس الشارع .. في نفس الوقت كانت هناك أعمال وصلت إلى حد تمييع المسرح و إفراغه من مضمونه …

–  العوائق التي تقف أمام ازدهار المسرح الكردي في المنطقة ؟

قلت أن هناك مشكلة حقيقية في هيكلة و مأسسة المسرح و إدارة هذا الملف ..إن لم يتم تجاوز هذه العلة فلن يكون هناك أي حراك مسرحي حقيقي و فعال في المنطقة … لابد أن يتفهم القائمون على الأمر و الذين يتحكمون بإدارة الشأن الثقافي هذه المعضلة و يزيلوا الأحجار و الأسلاك الشائكة التي تم  زرعها في طريق المسرح  و يبعدوا العقليات المتحجرة ذات الأفق الضيق من التحكم بالأمر .. و من ثم يفسحوا المجال للمسرحيين للعمل بحرية مع تقديم كافة أشكال الدعم لهم .. و من ثم نستطيع أن نتحدث عن كيف يتطور المسرح الكردي و يزدهر …

– أخيرا , من وجهة نظرك , الاستراتيجية المناسبة التي يجب اتخاذها من قبل الجهات المعنية و المسرحيين من أجل تطوير المسرح الكردي في المنطقة ؟

في اجتماع سابق للمسرحيين و الذي عقد في “مركز فرقة شانو ” في قامشلو  قمنا بصياغة مجموعة من التوصيات و المقترحات التي من شأنها أن تكسر حالة الجمود و تساهم في تنشيط الحركة المسرحية و قدمناها إلى هيئة الثقافة .. باعتقادي لو تم أخذ تلك التوصيات و المقترحات بعين الاعتبار كنا قد تجاوزنا الأزمة الآن.

لن أورد كل التوصيات لكن سأتطرق إلى بعض منها …

– إنشاء مديرية للمسارح و فروع لها في المناطق المختلفة يكون وظيفتها دعم الحراك المسرحي و تنشيطه و الإشراف عليه دون لعب دور الوصي ..و بالتالي إفساح المجال أمام كافة المسرحيين للانخراط في العمل المسرحي بحرية و تقديم كل أشكال الدعم لهم

-إعادة احياء مهرجان الشهيد يكتا المسرحي و تشكيل لجان متخصصة دون تدخل في عملهم .

– إضافة إلى إنشاء معهد للمسرح ..

–  عقد لقاءات دورية بين المسرحيين  لتفعيل التعاون بينهم خدمة للفن المسرحي وذلك لتجاوز حالة الشرذمة.

 و أخيراً ضرورة  تأسيس إطار أو اتحاد أو نقابة للمسرحيين تجمع كافة العاملين في هذا المجال بديلاً عن كومين المسرح الذي لم يقم بالدور المطلوب منه و بالتالي أثبت فشله .

حوار : همالين فرمان

You might also like More from author

Comments

Loading...