المسرح المديون الأسباب – الطريقة – الهدف

المسرح المديون

الأسباب – الطريقة – الهدف

                                                                                                                                                         عبدالرحمن ابراهيم

ظهرت المدارس والأساليب المسرحية، من خلال التجارب المسرحية والحاجة المجتمعية لتلك المدارس والأساليب بحسب مُنظّريها ومستخدمي تلك الأساليب المسرحية ابتداءً من المسرح الإغريقي ومروراً بالمدارس المسرحية الأخرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر: ( الواقعية، الطبيعية، الرمزية، السريالية، القسوة، العبث، ما بعد الحداثة، التفاعلي والمسرح الرقمي..)، ولا زالت التجارب مستمرة.

قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 كان المسرح السوري ينقسم للمسرح الرسمي والغير الرسمي، حيث كان المسرح الكردي يندرج ضمن المسرح الغير الرسمي، بالإضافة للمضايقات والحظر الذي كان يعانيه، كان محروماً من أي دعم مادي يساهم في تطويره، وما كان استمراه إلا من خلال  التضحيات والإصرار من المبدعين والمحبين لهذا الفن العريق.

أما بعد عام 2011 وما تلاه من أحداث، ظهرت طفرة مسرحية وأنشأت العديد من الفرق المسرحية التي كانت تنوي الاستمرار والارتقاء بالمسرح الكردي، وخاصة بعدما قرر مجموعة ممن كانوا يعملون بالمسرح الرسمي بالتوجه نحو المسرح الكردي، كنتيجة للظروف الجديدة، سيما بعد تشكيل الإدارة الذاتية ومن ضمنها هيئة الثقافة والفن، والتي من المفترض أن تكون راعية لكل ما يتصل بالثقافة والفن، ولكن سرعان ما توضّحت الصورة وتبيّن بأن الواقع لم يتغير كثيراً.

وبقي المسرح الرسمي والغير الرسمي، واُستبدل الحظر والمضايقات بالتهميش، من خلال وضع العديد من العقبات والعراقيل للوصول إلى صالات العرض.. والدعم المشروط للمسرح الغير الرسمي بشروط أقل ما يقال عنها بأنها مهينة للفن عامة وللمسرح خاصة، و غياب الداعم الآخر سواء من شخصيات أو منظمات أو مؤسسات.. هذه العوامل وغيرها أدّت إلى التفكير ببدائل لضمان استمرارية المسرح الحر في منطقتنا.

-المسرح المديون: مصطلح أطلقه الصديق المسرحي “محمد أشرف” على أحد عروضنا، ليعبّر به – حسب اعتقادي- بأنه أفقر من الفقير، حيث لا خشبة مسرحية تناسب هكذا عروض مسرحية، إضاءة بدائية، أما الديكور والأزياء المسرحية فكانت من هنا وهناك.. ظلَ المصطلح معلقاً في أذهننا، وبدأنا بدراسته من أغلب الجوانب، طبعاً بعد دراسة مستفيضة للمسرح الفقير الذي أسسه المخرج البولندي “جيرزي غروتوفسكي”، والحصول على العديد من فيديوهات التمارين المسرحية لهذا المنهج، وأيضاً العروض المسرحية الخاصة به من الصديق “jaroslaw siejkowski” الباحث في مركز تطوير أبحاث غروتوفسكي. حيث يمكن الاستفادة من هذا المنهج بشكل كبير لتجاوز العقبات التي تعيق وجود مسرح حر، رغم معرفتنا بأننا نفتقد حالياً للإمكانات المطلوبة للعمل على هذا المنهج كما يتطلب، وخاصة من ناحية اللياقة البدنية، والليونة الجسدية للممثلين والممثلات.. فكان لابدّ من تجارب لإيجاد طريقة مناسبة للاستغناء عن كل ما يمكن الاستغناء عنه (كل ما هو زائد ومكلف). فكانت التجربة الأولى في عرض (الشريط الأسود) مع ستة ممثلات وستة كراسي، لا منصة، لا ديكور، لا إضاءة، لا موسيقا، لا أزياء مسرحية، لا اكسسوارات، كان العرض في صالة أفراح، عند وصولنا طلباَ منهم فقط أن يعيرونا ستة كراسي، وبعد نهاية العرض تبيّن لنا بأنه لاقى استحسان الحضور وبأن الرسالة وصلت.

أما التجربة الثانية، بعد انتهاء ورشة إعداد الممثل لصيف 2021 كان لابدّ من مخرجات للورشة أو ما يسمى (مشروع التخرج) شارك في المشروع خمسة عشر متدرب ومتدربة، حيث كان لكل متدرب/ة (ممثل/ة) قطعة خشبية بطول 1.40سم، وأيضاً تمت استعارتهم من محل أحد الأصدقاء مشكوراً، وبحسب أراء الحضور -الذي كان خليطاً من النخبة ومن ذوي المتدربين/ات- لاقى ترحيباً منهم واستحساناً جيداً.

التجربة الثالثة: بعد التجربتين أردنا العمل على نص من المسرح العالمي، فوقع الاختيار على نص (قصة الرجل الذي أصبح كلباً) للكاتب الأرجنتيني ” دراغون” الذي يتم العمل عليه الآن، وأيضاً تم الاستغناء عن جميع العناصر باستثناء الممثلين/ات الأربعة ومعهم طرابيزة منزلية.

يستغني المسرح المديون عن كل ما يمكن الاستغناء عنه. يمكن الاستغناء عن منصة عالية، والتواصل المباشر مع المتلقي. الإضاءة تمّ الاستغناء عنها كلياً، وتكون مفتوحة مع المكان المخصص للجمهور (الصالة المفترضة).

الموسيقا التصويرية: يتم التعويض عنها من خلال أصوات الممثلين/ات، كآهات بشرية وإيقاعات ينفذها الممثلين مباشرة ضمن العرض سواء بأرجلهم أو بأيديهم كالتصفيق أو إصدار أصوات وإيقاعات معيّنة بواسطة الأصابع.. وكذلك الأغاني التي يقوم بأدائها الممثلين/ات.

الديكور: يقوم التركيز على قطعة أو أكثر، بحيث يمكن أن تتواجد في أي مكان يتم العرض فيه: ( الشارع، ساحة، باحة أو غرفة منزل أو مدرسة..، صالة أفراح، خيمة ..الخ.

الأزياء المسرحية: من السهل جداً الاستغناء عنها.

من خلال ما ذُكر أعلاه يمكن اختصار فائدة المسرح المديون بما يلي:

• تجاوز عقبة التمويل المشروط، واستغلال الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه الفنان بشكلٍ عام والمسرحي بشكلٍ خاص.
• تجاوز حالة احتكار صالات العرض لفئة دون أخرى.
• ضمان الاستمرارية للمسرح الحر، الذي يكون المرآة الحقيقية للمجتمع (سياسياً، اقتصادياً واجتماعياً..)
• الوصول لأكبر عدد ممكن من الجمهور، من خلال تقديم العروض في أماكن متعددة ومتغايرة، وكسر نمطية وجود صالة مغلقة وخشبة..
• ضمان ألا يتحول الفنان المسرحي لموظف مسرحي، ولسلعة يُباع ويُشترى.

بكل تأكيد لا يمكننا الادّعاء بأن المسرح المديون هو منهج مسرحي إنما نعتقد بأنه يمكن البناء عليه وإغنائه. الظروف التي نعيشها هي من فرضت علينا هكذا أسلوب، لذا نتوجه مرة أخرى للقيمين على المسرح في منطقتنا وخاصة أصحاب القرار الحقيقيين لمراجعة الأساليب التي يتم من خلالها إدارة الحركة المسرحية، كي لا يضطر آخرون لابتكار أساليب أخرى كمسرح ما بعد المديون على غرار ما بعد الحداثة!.