السيرة الذاتية للكاتب المسرحي ” أنطونين أرتو “.
فرقة المسرح- Koma Şano
أنطونين أرتو
هو شاعر سريالي وممثل كما أنه ناقد وكاتب ومخرج مسرحي فرنسي. ساهم في بلورة ما يعرف بمسرح القسوة في كتابة الخاص ” المسرح وقرينه ” الذي يعد المرجع الأول لتوجهه المسرحي . و يعد أرتو امتدادا طبيعيا لاتجاهات رفض الواقعية و التمرد عليها، ولكنه ذهب إلي مدي أبعد من الذي ذهب إليه أصحاب اتجاهات مناهضة الواقعية . لقد التقت أفكار أرتو مع الكثير من آراء شعراء العرض المسرحي ” كريج وأبيا ” و لكنه تميز عنهما في قدرته علي صياغة نظرية قائمة بذاتها، بل تستند إلى أسس فلسفية راسخة وهي ما يطلق نظرية القسوة “Theory of Cruelty ” .و قد آثرت بكثير من مخرجي ما بعد الحرب العالمية الثانية.
حياته:
ولد أنطونين ماري جوزيف أرتو في مرسيليا في 4 سبتمبر 1896 – توفي في باريس 4 مارس 1948، لأبوين من أصول يونانية ، و نشأ في عائلة صارمة، كان لوالديه تسعة أولا ولكن لم يبق منهم علي قيد الحياة سوي “أنطونين ” و أخته، في عمر الرابعة بدأت أعراض المرض تظهر علي أرتو بما يعرف ” بالتهاب السحايا” ، و ظلت نوبات الألم تلازمه طوال حياته، وقد تسبب ذلك المرض في جعل آرتو شخصا عصبيا في فترة مراهقته. كما عانى من آلام عصبية ومن التلعثم ونوبات الاكتئاب. وقضى عدة سنوات من عمره في مستشفى الأمراض العقلية. وفي أواخر عمره إصيب بسرطان الأمعاء. قضي ارتوحياته ما بين المنتجعات الصحية والمصحات النفسية في محاولة من عائلته لعلاجه من مرض الزهري الوراثي كما كان لأرتو علاقة بالمخدرات، التي ادمن علي تعاطيها طوال حياته عندما وصفها له أحد الأطباء كعلاج من الألم المزمن .
و في عام 1919 في أثناء الحرب العالمية الأولي ، استدعي أرتو إلي جبهة القاتل ومكث فيها تسعة أشهر، ولكنه حصل علي إعفاء بسبب اصابته بمرض التجوال النومي، ويري فينيكل أن حركات المتجول النائم قد تكون استجابة للمحتوي الظاهر للحلم والصراعات الكامنة في صميم الحلم و أساسه بقدر ما يمكن أن يكون هروبا من ذلك الفراش، ويمكن أن يكون التجوال في ذاته هو ما يسعي إليه المريض للوصول إليه كأن يكون مكانا ينطوي علي أمكانية لإشباع الحفزات اللاشعورية أو مكانا أمنا مناهضا لهذه الحفزات ويضمن المريض ألا يتحقق فيه إشباع للحفرزة الغريزية أو هو جمع ما بين الأمرين.
في شهر مارس من عام 1920 احضره والده إلي باريس بعد أن تحسنت حالته قليلا وأصبح أنطونين أرتو تحت رعاية ” إدوارد تولوز ” الذي لعب دورا مهما في حياة أرتو، حيث أنه لم يكن طبيبه النفسي وحسب بل إيضا كان طريقه إلي عالم الأدب والفن، فتولوز كان رئيسا لدورية أدبية تصدر في باريس، وقد وجد تولوز بأرتو موهبة فريدة، في هذه المرحلة بدأ أرتو يقرأ أعمال مثل ” بودليير، رامبو، ادجار آلان بو، وإيضا بدأ بكتابة أولي قصائده في هذا الوقت
الجسد و الصوت:
إن الجسد تحت وطأة شعور قوي يتفاعل، فينتج صوتا مقعرا و تتدفق الدموع ، و في حالات أخرى ، بلا ضغوط يصبح الصوت رخيما ينساب في صفاء، أما الصوت فهو هذا الانبساط ، هذه الاستطالة للجسد المصوت في تجاوزه لذاته في الفضاء . و الحالة الانفعالية كثيرا ما تؤثر علي درجه الصوت و طبيعته و قوته و نقائه ، و لا يشترك في إنتاج الصوت فقط الحنجرة و الجهاز التنفسي بل توجد في مجموعة من الرنانات التي تحدث لها اهتزازات ، و يتم ساعتها التواصل بين المخ و البطن و النفس و حتي أطراف اليد و أصابع القدم ، و لذلك نجد أن بعض الممثلين الذين ليس لديهم أي وعي بأجسادهم يجدون أنفسهم في مواجهه مشاكل صوتية أحيانا ما تكون بلا حل.
لقد بات الجسد يأخذ مكانة في الترتيبية الهرمية بين وسائل التعبير و الاداء ” فلم يعد هذا الجسد متقهقرا زراء عضو مصوت يصدر المعني من خلال كلمات بل أصبح يعبر بواسطة أوضاع تتسم بالفصاحة و تنقلات دالة في الفضاء ، هذا الجسد الفاعل الذي لا يكتفي بأن يكون مجرد مصورا بينما الشفتان وحدهما تسردان خطابا ما
تقنيات مسرحية:
في مجال المعمار المسرحي ، يري أرتو ضرورة ألغاء خشبة المسرح و استبدالها بمكان متسع ليس به حواجز تفصل بين المتفرج و الممثل ، و هو يقرر أن عروضه المسرحية لن تحتاج إلا ألي بناء معماري ، مكون من جدران خالية من الزخارف أو أي رسوم إيحائية ، بالإضافة إلي مقاعد غير مثبتة تتحرك في كل الاتجاهات حتي يمكن للمتفرج متابعة العرض المسرحي الذي يدور في أماكن متفرقة من الصالة ، و علي مستويات مختلفة بعضها أفقي و بعضها رأسي ، و يهدف هذا المفهوم السينوجرافي إلي شعور المتفرج أنه في وسط الفعل المسرحي ، و أن الخبرات المسرحية تأتيه من أماكن مختلفة ، و يعد هذا التصور أحد الأعمدة الرئيسية في مسرح الواقعة كما صاغة المخرج ” آلان كابروف ” في أمريكا في أوائل الستينات.
في مجال الأداء التمثيلي يولي أرتو الممثل أهمية خاصة ، ذلك لأن تحقيق ما يرمي إليه من نظريات ، يعتمد بالدرجة الأولي علي حيوية الممثل و قدرته علي التعبير ، و علي الاستحواذ علي مشاعر المتفرج ، و لم يصغ أرتو أسلوبا أدائيا ، أو حتي بشر بقواعد أسلوبيه كما فعل مايرهولد و كريج ، بل علي العكس من ذلك أعطي أرتو الممثل حرية واسعة لتحديد أسلوبه التمثيلي ، و كان يري أنه لا توجد قواعد ملزمة توجب علي الممثل ضرورة الاستمساك بها ، بشرط أن يمتلك الممثل قدرات حركية و صوتية هائلة تمكنه من الرقص و الحركة و الغناء ، كما يشترط آرتو في الممثل ضرورة امتلاكه لنوع من العضلات العاطفية ، التي تتوازي مع مهاراته الجسدية . و معني هذا أن آرتو يري أنه لا توجد قواعد ملزمة في مجال الأداء التمثيلي يطلب من ممثله كل شئ في مجال الأداء التمثيلي ، كما أن الجهد التنظيري الذي صاغه آرتو ، ليؤسس مفهوم مسرح القسوة يفترض وجوبا وجود ممثل له قدرات مهارية عالية جدا و لا تتحقق هذه المهارات ، إلا عن طريق إلزام الممثل بقواعد أسلوب تمثيلي كان حريا بآرتو ، أن يؤسس له نظريا أو تطبيقيا.
و من أهم مساهمات آرتو في مجال التقنية ، هي دعوته لامتزاج شخصية المؤلف و شخصية المخرج في شخصية واحدة . و يرجع هذا إلي رفض آرتو ما أسماه بدكتاتورية المؤلف التي تقود حتما إلي تقديس النص المسرحي و اعتباره محور العرض المسرحي ، لان ذلك من شأنه أ يحيل تجربة العرض المسرحي إلي تجربة لغوية أدبية و يقول في هذا الصدد:
” ستنصب لغة المسرح النموذجية في الإخراج ، لا اعتباره مجرد درجة انكسار النص علي خشبة المسرح ، بل باعتبار نقطة انطلاق الخلق المسرحي كله . إن استخدام هذه اللغة و تناولها ستذيبان الازدواجية القديمة بين المؤلف و المخرج و استبدالها بخالق فريد من نوعه ”
إذ ما تملينا مليا بمسرح أرتو فإننا نجده يقوم علي مبدأ أساسي و هو نسف النص و تحطيمه للتحرر من كل القيود و المكبلات التي تحيد بالمسرح عن منحاه التحرري الدئم التجدد ، باسترجاع طبعه الاحتفالي و التحرر من الكلمة التي أثقلت كاهله ، و التركيز علي الحركة و لغة الجسد فقد عرف مسرح القرن العشرين اهتماما متزايدا بالحركة و دور الجسد ، و تعددت اتجاهات التعامل مع الحركة ضمن الرغبة في تنضير المسرح و الابتعاد به عن سيطرة النص و الكلام . فقد ظهرت توجهات تنادي بالعودة بالمسرح لأصوله الطقسية الأولي حيث كانت حركة الجسد ذات طابع قدسي ..
لقد رأي أرتو بأن الكلمة حري بها أن تكون لصيقة فنون أخرى ، لأنها من منظور درامي جانب سثقل كاهل العمل المسرحي ، و قد تغيب أشياء كثيرة ، بل إنها تسهم أحيانا في التعتيم علي المعني الحقيقي لما يرد في الإبداع المسرحي ، لإنها تنوء بحمل المعني فلا تقوي علي حمله و إبرازه ، و من ثمة تغيب الجوهر الحقيقي الذي يسعي المبدع إلي ايصاله إلي المتفرج ، أو رفع المتفرج إلي مستواه ليعيش تلك الحالة الشعورية و الوجدانية السامية التي يرغب المبدع المسرحي في الوصول إليها . و تحقيق هذه الحالة لا يكون إلا بتضافر مجموهة من العناصر ، من شأنها أن تحقق نقلة نوعية في المسرح المعاصر باتحادها في تقديم هذه الرؤية ، و هذا ما سعي أرتو جاهدا لتحقيقه معبرا عن ذلك بقوله:
” إنني ازعم ان للحواس شعرا ، كما أن اللغة شعرا ، هذه اللغة الحسية الفيزيقية التي التي أعنيها هي حقا لغة مسرحية بقدر ما تستطيع أن تعبر عن أفكار لا تطالها اللغة المنطوقة … و كل شعور صادق هو في حقيقته غير قابل للترجمة .. و العبير عنه خيانة له .. و بهذا فكل صورة أو استعارة أو تكوين يسدل القناع علي ما يمكن أن يسفر عنه لهو أغني بالدلالة الروحية من وضوح الكلمات و قدرتها علي التحليل”
المصدر: ويكيبيديا
Comments